قالت مؤسسة وسيط المملكة، في تقريرها السنوي لسنة 2024، أن العلاقة بين المواطنين والإدارة لا تزال متوترة، رغم بعض التحسينات المسجلة في مجالات محددة، محملة الإدارة العمومية مسؤولية التعثر في تحقيق الإنصاف الإداري، مع تسجيل أن هذا الحق، رغم التنصيص عليه في الدستور، لم يتحول بعد إلى ممارسة فعلية في الواقع الإداري.
فخلال سنة واحدة، توصلت المؤسسة بما يقارب 8000 ملف، بينها أزيد من 5700 تظلم حقيقي، وسط استمرار لتصدر قطاعات الوظيفة العمومية والضرائب والعقار والصحة والتعليم للائحة الشكايات، بشكل يكشف عن استمرار اختلالات بنيوية عميقة تؤثر سلبا على ثقة المرتفقين، ويعكس من جهة أخرى ارتفاعا في منسوب وعي المواطنين بأدوار الوسيط كقناة بديلة لطلب الإنصاف، حيث ارتفعت الشكايات بنسبة 8 في المائة مقارنة بالسنة السابقة.
مع ذلك، فقد أبانت المعطيات الواردة بالتقرير عن ضعف تفاعل الإدارات مع توصيات المؤسسة، حيث أنه و من بين 1003 توصية صدرت، لم تجد سوى 672 طريقها إلى التنفيذ، أي بنسبة لا تتجاوز 67 في المائة، وهي نسبة وصفها التقرير بالمحدودة، خصوصا أن بعض الوزارات واصلت تسجيل مستويات متدنية من التجاوب، في مقدمتها وزارة العدل ووزارة التعليم العالي ووزارة الاقتصاد الاجتماعي.
وفي هذا السياق، سجل التقرير تعثر بعض البرامج الاجتماعية التي تراهن عليها الحكومة، مثل “فرصة” ومنصة “الدعم المباشر”، مما أضر بصورة الإدارة وساهم في تعميق الشعور باللاعدالة لدى عدد كبير من المواطنين.
كما توقف التقرير عند كون غالبية المتظلمين ينتمون إلى الوسط الحضري ومن الذكور، في حين تبقى نساء القرى وساكنة العالم القروي عامة أقل استفادة من خدمات الوسيط، وهو ما اعتبره مؤشرا على الحاجة إلى مراجعة آليات التواصل وتعزيز الحضور الترابي للمؤسسة وسط الفئات الأقل حظا.
من جهة أخرى، سجل التقرير انخراط مؤسسة الوسيط في مرحلة جديدة، لم تعد تقتصر فقط على استقبال الشكايات والبت فيها، بل تجاوزت ذلك إلى إعداد تقارير موضوعاتية موجهة لرئيس الحكومة، تناولت ملفات ذات بعد استراتيجي كضمان التغطية الصحية للمتقاعدين وتقويم اختلالات برامج الدعم العمومي، ما يرسخ دور المؤسسة في تقييم السياسات العمومية وتتبعها عن قرب.
ورغم كل ما سبق، فقد تضمن التقرير إشارات إيجابية، منها تحسن ملحوظ في تعامل بعض الإدارات مع المؤسسة، وخطوات أولية نحو تخليق الحياة الإدارية، معتبرا ذلك نقطة انطلاق لتعزيز ثقافة الوساطة والحوار في سبيل بناء الثقة بين المواطنين ومؤسساتهم.